التوقيع الالكترونــــي

المسائل القانونية

المقدمـــــة:

لا تكتسب الكتابة ، كدليل للاثبات، قوتها الثبوتية الكاملة، الا بالتوقيع عليها ممن صدرت عنه .

 وبما ان التعاقد عبر الانترنت، كسائر العقود، لا يلزم المتعاقدين، الا اذا كان ممهورا بتوقيعهما .

       وبما انه يتعذر التوقيع التقليدي في ابرام العقود عبر الانترنت، بالنظر الى طبيعة العقد الالكتروني، الذي يتم الكترونيا، وليس بالطريقة المألوفة التي يتم بها التوقيع في العقود التقليدية، وذلك لان طبيعة التوقيع تتفق عادة مع طبيعة العقد الذي يحمله .

      لذلك بدأ يظهر، مع استخدام الانترنت شكل جديد من التوقيع ، لم يكن مألوفا في المعاملات العادية ، اطلقت عليه تسمية التوقيع الالكتروني، الذي اصبح العمل به امرا واقعا تتزايد اهميته يوما بعد يوم ، مع استخدام الانترنت في التعامل، على شكل واسع ومضطرد .

     ومع ظهور التعاقد عبر الانترنت واتساع اطاره، اخذ يفرز الكثير من المشكلات القانونية التي    تتعلق بحجة التوقيع الاكتروني في الاثبات.

     وقد تأخر المشرع، بصورة  عامة في اصدار تشريع ينظم موضوع التعاقد الالكتروني، فانبرى الفقه والقضاء كالعادة الى ابتداع محاولات حثيثة لمعالجة المشكلات التي تتعلق بحجية التوقيع الالكتروني، قبل اصدار تشريع ينظمه.

     والحقيقة هي ان القضاء الفرنسي كان سباقا في ارساء قواعد تنظم التوقيع الالكتروني قبل اصدار التشريع المتعلق به.

     وقد بدأ ظهور التوقيع الالكتروني في نطاق المعاملات المصرفية، بعدما انتشر استخدام بطاقات الاعتماد في المعاملات المصرفية. وقد اقرت محكمة التمييز الفرنسية استخدام بطاقات الاعتماد في المعاملات المصرفية، كوسيلة للدفع والسحب لدى المصارف.

     وقد فرض التوقيع الالكتروني نفسه في ظل انشاء التجارة الالكترونية وازدهارها، مما حدا بالمشرع في العديد من الدول، الى وضع القواعد القانونية التي تنظم التوقيع الالكتروني، بهدف حل المشكلات القانونية التي اخذت تظهر بقوة في مجال اثبات العقود الالكترونية، ولاضفاء الثقة والحماية للمتعاقدين، ومواكبة التطور التقني في مجال نظم الاتصال والمعلومات.

     نبحث فيما يأتي ، التوقيع الالكتروني في اربعة مباحث هي:

ماهية التوقيع الالكتروني، والشروط  الواجب توافرها في التوقيع الالكتروني، وصور التوقيع الالكتروني وقوة  التوقيع الالكتروني في الاثبات.                     

اولا – ماهية التوقيع الالكترونــي

      اوضح قانون الأمم المتحدة النموذجي الصادر في 2001/7/5 والمتعلق بالتوقيع الالكتروني، هذا التوقيع وحدد الشروط الواجب توافرها فيه على نحو يتفق مع مفهوم التوقيع التقليدي وشروطه مبينا ان الموقع قد يكون شخصا طبيعيا او شخصا معنويا، وانه يجوز للشخص ان يوقع بنفسه او بواسطة ممثل عنه، وذلك في نص المادة 2 من القانون المذكور التي تعرف التوقيع الاكتروني بأنه بيانات في شكل الكتروني مدرجة في رسالة البيانات، أو مضافة اليها او مرتبطة بها منطقيا، يجوز ان تستخدم لتعيين هوية الموقع بالنسبة الى رسالة البيانات، ولبيان موافقة الموقع على المعلومات الواردة في رسالة البيانات .

      كما عرفت الفقرة الاولى من المادة الثانية من التوجيه الاوروبي رقم  1993/99 الصادر في 13/12/1999 التوقيع  الالكتروني بأنه بيان معلومة معالجة الكترونيا، ترتبط منطقيا بمعلومات او بيانات الكترونية اخرى ( كرسالة او محرر) التي تصلح كوسيلة لتمييز الشخص وتحديد هويته .

      وقد ميز التوجيه الاوروبي المذكور بين نوعين من التوقيع : التوقيع الالكتروني المتقدم  La signature electrique avancee  والتوقيع الالكتروني البسيط La signature electrique simple  

      فالتوقيع الالكتروني المتقدم هو الذي يكون معتمدا من احد موقعي خدمات التصديق الالكتروني، الذي يمنح شهادة تفيد صحة هذا التوقيع، بعد التحقق  من نسبة التوقيع الى صاحبه .

      اما التوقيع الالكتروني البسيط فيتمتع بالحجة القانونية في حالة عدم انكاره . اما في حالة انكاره فيقع على عاتق من ادلى به اقامة الدليل على انه قد  تم بطريقة تقنية موثوق بها. واذا وجد ازدواجية بين توقيعين الكترونيين، بحيث كان احدهما متقدما والآخر بسيطا، فتكون الاولوية للتوقيع المتقدم لأنه يتمتع بعناصر امان لا تتوافر في التوقيع البسيط .

      وقد عرف القانون الفرنسي رقم 230/2000 تاريخ 13 اذار 2000 التوقيع بشكل عام والتوقيع الالكتروني بشكل خاص على الشكل الآتي: ان التوقيع ضروري لاكتمال التصرف القانوني وهو يحدد هوية من يحتج به عليه، ويعبر عن رضى الاطراف بالالتزامات الناشئة عن هذا التصرف.

      وعندما يكون التوقيع الكترونيا يقتضي استخدام وسيلة آمنة لتحديد الشخص، بحيث تضمن صلته بالتصرف الذي وقع عليه، ويفترض أمان هذه الوسيلة وذلك بالشروط التي يتم تحديدها بمرسوم.

      وبالفعل فقد صدر بتاريخ 20/3/2001 المرسوم الفرنسي رقم 272/2001 الذي تضمن القواعد والاحكام المتعلقة بحماية بيانات التوقيع الالكتروني وأمنه كما صدر بتاريخ 28 نيسان 2002 المرسوم الفرنسي رقم 535/2002 الذي تضمن القواعد والاحكام المتعلقة بحماية عرض المنتجات وانظمة المعلومات وأمنها.

      وهكذا يتضح ان المشرع الفرنسي قد وضع مفهوما موحدا للتوقيع من دون ان يفرق بين توقيع تقليدي وتوقيع الكتروني فيما يتعلق بحجية كل منهما في الاثبات، على ان يكون التوقيع مميزا لشخص صاحبه، ويتم باجراءات آمنة تضمن سرية بيانات هذا التوقيع .

      تجدر الاشارة الى ان الفقه والقضاء الفرنسيين سبقا المشرع في اعترافهما بالتوقيع الالكتروني. وبالفعل فقد صدرت احكام متعددة عن القضاء الفرنسي معترفة بالتوقيع الالكتروني قبل ان ينظم شروطه المشرع. ومن هذه الاحكام حكم محكمة التمييز الفرنسية الصادر في 15 كانون الاول سنة 1992 والذي اعترفت بموجبه بصحة الدفع النقدي الالكتروني، عندما اعطت الكتابة الالكترونية، والتوقيع الالكتروني الحجية نفسها، التي تكون للكتابة التقليدية والتوقيع التقليدي في الاثبات وذلك بشرطين اساسيين هما: الاول : ان يحدد التوقيع الالكتروني هوية الموقع، والثاني : هو ضمان صحة التوقيع .

      كما قضت محكمة التمييز الفرنسية سنة 1995 بان التوقيع الالكتروني الذي يتم عبر بطاقة الاعتماد المصرفية، يكون صحيحا لأنه يتكون من عنصرين : كود سري لا يعلمه سوى الموقع، والبطاقة المصرفية نفسها، التي لا توجد الا في حوزته، وبالتالي يتحقق فيه عناصر التوقيع اللازمة للاعتراف بمضمون اي توقيع قانوني.

ثانيا – الشروط الواجب توافرها في التوقيع الالكتروني

        الشرط الاول : تحديد هوية الموقع

     يمكن ان يقوم التوقيع الالكتروني بالوظيفة نفسها التي يقوم بها التوقيع العادي، سواء من حيث تحديد هوية موقعه، او تمييزه عن غيره من التواقيع. ومع ذلك لم يكن الاعتراف به، ومنحه الحجية القانونية في الاثبات، بادئ الامر، امراً سهلا، ويرجع ذلك الى عامل الثقة والامان في هذا التوقيع، نظرا لكونه يتم عبر تقنيات الاتصال الحديثة، وهذا ما يجعله عرضة للتزوير والتقليد.

      ولكن مع الوقت تم الاعتراف به في تشريعات متعددة، بعدما تطورت طرق الامان ووسائله وفقا لما يأتي بيانه في المقطع التالي.

 

       الشرط الثاني : التعبير عن ارادة صاحب التوقيع

     يعتبر التوقيع على السند، بوجه عام، تعبيرا عن ارادة صاحبه برضاه بمضمون التصرف القانوني واقراره به، ويستوي في ذلك ان يكون التوقيع عاديا او الكترونيا.  وهذه هي الحال في التعامل مع المصارف عن طريق استخدام الرقم السري لادخال بطاقة الاعتماد المصرفية جهاز الصراف الآلي، واعطاء حامل البطاقة موافقته الصريحة على سحب المبلغ المطلوب. فذلك يعتبر تعبيرا عن ارادته الصريحة برضاه بهذا التصرف، وبالرغم من انه استخدم مجرد رموز وارقام في تعامله مع الصراف الآلي .

      ويمكن اثبات نية التوقيع، سواء كان عاديا او الكترونييا بالاستعانة بعناصر مختلفة للتصرف القانوني. ومن هذه العناصر، مكان التوقيع، اذ انه من المتعارف عليه ان يجري التوقيع في آخر الصفحة. ووضعه في مكان آخر كمنتصف الصفحة او اولها، يمكن ان يثير بعض الشكوك في مدى توافر الرضى بمضون ما ورد في السند من  تصرف قانوني. غير ان الاجتهاد اللبناني اعتبر ان التوقيع على السند في مكان آخر من السند، لا يعتبر من الشكليات الجوهرية التي تجعل السند باطلا لهذا السبب. ويتمتع قاضي الاساس بسلطة واسعة في تقدير مدى قيمة مكان التوقيع في الاثبات.

      ومن المتفق عليه في الاجتهاد انه اذا كان السند العادي  مشتملا على عدة اوراق، فيكفي التوقيع في نهاية الورقة الاخيرة منه، شرط ثبوت الاتصال الوثيق والتتابع المنسق بين سائر الاوراق.

 

الشرط الثالث : اتصال التوقيع بالسند

      ينتج عن التوقيع العادي على السند الورقي المعد للاثبات، تحقق اتصال التوقيع بالسند اتصالا ماديا وكيميائيا ملازما وممكنا ، بحيث لا يمكن معه فصل احدهما عن الآخر، اي فصل السند عن التوقيع عليه، ما لم يجر اتلاف السند، او تزويره، او احداث تعديل في التركيب الكيميائي للحبر ومادة الورق المستخدمة. اما في التوقيع الالكتروني، وبما أنه لا يوجد ورقة او سند عادي، كما لا يوجد توقيع مادي، فان الاتصال بين التوقيع والسند يبدو واهيا، وعرضة للتلاعب من جراء امكان احداث تعديل وادخال بيانات اخرى، تنفق مع مصالح مستعمل جهاز الحاسوب من دون ان يترك ذلك اي اثر مادي يمكن ان يستدل عليه. غير ان ذلك قد تم التغلب عليه مع تطور مسيرة العالم الالكتروني، في ظل التطور الفني في مجال نظم المعلومات والاتصالات، وما يبذله المختصون في هذا المجال من جهود، لتوفير اكبر قدر ممكن من الامان والحماية والسرية في هذه المعلومات. كما هو الأمر في تسجيل البيانات الالكترونية وحفظها على دعائم الكترونية غير قابلة للتعديل، ويمكن استرجاعها عند الضرورة، وتتيح التوقيع عليها بوسائل مشفرة يصعب الوصول اليها.

      كما انه يمكن الاستعانة بجهات التوثيق الالكتروني التي يمكن ان تحفظ التصرفات الالكترونية بطريقة سرية وآمنة.

      يذهب البعض من رجال ، الفن الالكتروني الى ان التوقيع الالكتروني يفضل على التوقيع العادي، لان التوقيع العادي هو عبارة عن رسم خطي يقوم به الموقع، وبالتالي فهو فن وليس علما، مما يسهل تزويره. اما التوقيع الالكتروني فهو علم وليس فنا، ويعتمد على برامج معلوماتية متطورة، تعمل على تشفيره وتحصينه من عبث العابثين، وبالتالي فهو يرتكز على مفتاح التشفير الذي يتكفل بحمايته، ويجعل تزويره صعبا بل مسىتحيلا.

 

ثالثا – صور التوقيع الالكتروني

      ادى التطور الحاصل في نطاق نظم المعلومات والاتصالات الى ظهور العديد من الصور التي يتخذها التوقيع الالكتروني وهي  تختلف باختلاف الطريقة التي تتم بها، كما تختلف من حيث قدرتها على توفير الثقة والامان ووسائل الحماية التي تعتمد على الوسيلة التقنية المستخدمة. ومن اهم صور التوقيع الالكتروني واكثرها انتشارا : التوقيع الرقمي، والتوقيع البيومتري، والتوقيع بالقلم الالكتروني.

 

الصورة  الاولى : التوقيع الرقمي (La SIGNATURE NUMERIQUE)

      ويتم باستخدام اللوغاريتمات بتحويل المحرر المكتوب، من نمط الكتابة العادية الى معادلة رياضية، وتحويل التوقيع الى ارقام.

      وتتضمن هذه الصورة تحديد هوية اطراف العقد تحديدا مميزا لهم، من غيرهم من الاشخاص، كما تتضمن عدم امكان التدخل في مضمون التوقيع او مضمون المحرر الذي يرتبط به.

      ويتم حفظ الرقم في جهاز الحاسوب، بحيث لا يستطيع احد ان يعيد المحرر الى صيغته المقروءة الا الشخص الذي لديه المعادلة الخاصة بذلك، والتي تقوم بدور المفتاح وثمة نوعان من المفاتيح :

      مفتاح عام: يسمح لكل شخص بالقيام بقراءة رسالة البيانات عبر الانترنيت ولكن من دون ان يتمكن من ادخال اي تعديل عليها.

      ومفتاح خاص: لا يملكه الا صاحب التوقيع الرقمي، حيث لا يمكن لأي عميل او تاجر اجراء اي تعديل على الرقم، لأنه لا يملك المفتاح الخاص بصاحب التوقيع بمعنى انه يوضع التوقيع على رسالة البيانات سواء كانت عقدا او محررا ، وتنغلق الرسالة تماما ولا يستطيع اي طرف المساس بها او التعديل فيها، الا باستخدام المفتاحين معا، الخاصين برسالة البيانات وبصاحب التوقيع.

الصورة الثانية : التوقيع البيومتري (la signature biometrique)

      يعتمد نظام التوقيع البيومتري على الصفات المميزة للانسان وخصائصه الطبيعية والسلوكية التي تختلف من شخص الى آخر، كبصمة الاصبع وبصمة شبكة العين ونبرة الصوت ودرجة ضغط الدم، والتعرف على الوجه البشري والتوقيع الشخصي وسواها من الصفات الجسدية والسلوكية.

      يرى بعض الفقه انه نظرا الى ان الخصائص الذاتية لكل شخص من شأنها ان تميزه عن اي شخص آخر، فان التوقيع البيومتري يعتبر وسيلة موثوقا بها لتمييز الشخص وتحديد هويته.

      غير ان البعض الآخر يرى ضعف التوقيع البيومتري من حيث درجة الثقة والأمان. وذلك لانه يتيح  لقراصنة الحاسوب، عن طريق فك رموز التشفير، تقليد بصمات الاصابع باستخدام بصمات بلاستيكية مقلدة، او استخدام انواع معينة من العدسات اللاصقة، كما يمكن تسجيل نبرة الصوت وسواها من التقنيات المستعملة بصورة احتيالية، والتي يستخدمها قراصنة الحاسوب، ولذلك فهذا التوقيع لا  يوفر الثقة والامان الكافيين، ويستحسن وضع نظام معلوماتي آمن يوفر الحماية والامان لهذا التوقيع عن طريق التصديق عليه من جهات مرخص لها بممارسة هذا العمل، وتخضع لرقابة الدولة.

الصورة الثالثة : التوقيع بالقلم الالكتروني

      يستخدم في هذه الصورة قلم الكتروني يمكنه الكتابة على شاشة الحاسوب عن طريق برنامج معلوماتي يتيح التقاط التوقيع والتحقق من صحته. وعندما يقوم المستخدم بتحريك القلم على الشاشة وكتابة توقيعه، يلتقط البرنامج حركة اليد، ويظهر التوقيع على الشاشة بسماته الخاصة، التي تميز صفات الموقع كما هو الامر في الكتابة العادية.

      توفر هذه الصورة من صور التوقيع مزايا مهمة نظرا لسهولة استعمالها. ومع ذلك فاستعمال هذه الطريقة محفوف بالعديد من المشكلات ومن اهمها: مشكلة اثبات العلاقة بين التوقيع والمحرر، حيث لا توجد طريقة تمكن من اثبات هذه الرابطة، اذ بامكان المرسل اليه الاحتفاظ بنسخة من التوقيع الذي وصله على احد المحررات الالكترونية، ومن ثم يعيد وضعه على محرر آخر، وهذا ما  ينشأ عنه انعدام الثقة والامان في هذه الصورة من التوقيع الالكتروني.

رابعا : قوة التوقيع الالكتروني في الاثبات

      يستمد التوقيع الالكتروني قوته في الاثبات من مصدرين:

المصدر الاول: ارادة المشرع

      لا بد لتفعيل التوقيع الالكتروني، وجعله قانونيا ونافذا ومنتجا آثاره من ان يتبناه المشرع، ويغدق عليه الصفة القانونية، ويدخله في اطار التشريع .

      صحيح ان الفقه والاجتهاد قد يقبلا بنتائج التوقيع الالكتروني احيانا فتقضي بعض المحاكم بقبول التوقيع الالكتروني، كوثيقة ثبوتية اذا تأكد لها، وكونت قناعتها حوله بأنه صادر عن موقعه الذي يتمتع بالاهلية الكاملة للتوقيع، ولكن الاجتهاد لا يمكنه ان يفرض قاعدة او نظاما ينتج عنه الالزام بالتقويع الالكتروني واعطائه كافة مفاعيله، وقد لا تقبل بعض المحاكم بحجية المستندات الالكترونية في الاثبات. ومن هذه المحاكم محكمة التمييز اللبنانية التي لم تقبل بحجية الدفاتر التجارية المنظمة الكترونيا.

      ولكن بصدور نص ولو موجز، او فقرة في مادة قانونية مثلا، تقبل بالتوقيع الالكتروني، او بالمستنند الالكتروني كوثيقة خطية، تمسي المحاكم ملتزمة بهكذا نص، فيصبح ملزما للجميع .

      غير ان الواقع العملي هو الذي يصبح معه المشرع ملزما بتكريس هذا الواقع وبتنظيم القواعد وبخلق الاطر التي تتسع لتشمل الموضوع المطروح على بساط البحث، بعدما يكون رجال الفن والاعمال قد مشوا به شوطا بعيدا.

      لقد غدا التوقيع الالكتروني، والمستند الالكتروني بوجه عام حقيقة واقعة بعدما دخل نطاق التشريع واحاطه المشرع بالعناية اللازمة، في معظم الدول ومنها معظم الدول العربية مما يتيح القول ان مسألة التوقيع الالكتروني اصبحت في الوقت الحاضر محققة ومفعلة، ولم تعد بحاجة الى تحليل وتعليل لقبولها او عدم قبولها.

المصدر الثاني : خلق الثقة والأمان

      اذا كان التوقيع بشكل عام، هو الذي يثبت نسبة المستند الى منظمه، ويؤكد اهلية هذا الاخير للتصرف. فان الهم الاكبر ينصب على التأكد من نسبة التوقيع الى صاحبه، في نطاق العالم الافتراضي، الذي يتم التعاقد عبره عن بعد وبدون علاقة مباشرة بين المتعاقدين.

      وهذا ما شغل العالم الالكتروني فترة طويلة من الزمن من اجل خلق الثقة والامان والحماية حيث يكون مجال التلاعب والقرصنة واسعا.

      وبالفعل فقد حاول رجال الفن الالكتروني وما زالوا يحاولون ايجاد الوسائل اللازمة لصحة نسبة التوقيع الى صاحبه، وقد اتينا على ذكر ذلك.

      ومع كل هذا ومهما ابتدع اهل الفن الالكتروني والمشرع من قواعد، فذلك لم يقض على القرضة الالكترونية، كما لم يقض رجال الأمن مهما تطورت رسائلهم على السرقات، ولا التشريعات  المصرفية وتعاميم المصارف المركزية على التجاوزات المتعلقة بالسرية المصرفية.

 

 

الخاتمـــــــة:

      لقد اصبح العالم الالكتروني حقيقة واقعة ومنتشرة في جميع ارجاء العالم، وهو يتطور باستمرار واضطراد، حتى لا يقال فيه انه مقبل على الاحاطة بكل العلوم والفنون والمصارف، بطريقته الخاصة، وفنه الابداعي بحيث لم يعد يستطيع احد الا ان يلم بهذا العلم، ولو من قبيل الاستخدام على الأقل، والا اصبح بعيدا عن الحياة المعاصرة، وقريبا من الأمية.

      وفي كل الاحوال ان التطور والتقدم والحضارة والتمدن هي صفات ملازمة للانسان الذي خلقه الله على صورته ومثاله، على  ان يستخدم تطور العلم والمعرفة في سبيل خدمة الانسان وليس في خدمة الشر والتجاوزات والجرائم.

 

القاضي الدكتور الياس ناصيف